على ضفاف الفرات.. مليونا عراقي ظمأى

المقاله تحت باب  قضايا
في 
13/09/2009 06:00 AM
GMT



في مشهد لم يمر على العراق على امتداده تاريخه الطويل، يفر مئات الآلاف من العراقيين من جوار نهر الفرات الذي توقف عن إمدادهم بالماء اللازم ليبحثوا عن الماء في مدن بعيدة عنه، فيما تتساقط الحيوانات موتى من العطش أو شرب المياه الراكدة، وتشققت الأراضي الزراعية الخصبة، وتوقفت عدة محطات كهرباء عن العمل لتترك نحو مليوني شخص آخرين في جنوب العراق غارقين في العطش والظلام.
وفي تقرير صدّرت به صفحتها الرئيسية اليوم الخميس، قالت صحيفة "ذا جارديان" البريطانية: إن أكثر من مليوني شخص في جنوب العراق باتوا عرضة للموت أو النزوح، بسبب نقص منسوب المياه في نهر الفرات لدرجة أثرت بصورة بالغة على نصيبهم من مياه الشرب ومياه ري الأراضي الزراعية، إضافة إلى تراجع إمدادات الكهرباء.
وأشارت إلى أن المواطنين "باتوا يخشون من اليوم القادم؛ فالأمر يزداد سوءًا، والمسئولون العراقيون يبدون لا حول هم ولا قوة أمام الأزمة". ونقلت الصحيفة عن تقرير عراقي سابق بهذا الخصوص أن هذا العام (2009) "يُعد أكثر الأعوام التي تشهد شحًا ومعاناة بهذه الطريقة غير المعهودة؛ ما انعكس على قطاع الطاقة، وهدد محطات كهرباء بالتوقف، وأدى إلى تناقص ملحوظ في المياه المستخدمة للأغراض البلدية في العديد من مدن العراق، وانحسار زراعة محاصيل الأرز والذرة الصفراء والخضراوات".
ونتيجة لانخفاض منسوب المياه في الفرات فقد تراجع إمداد الكهرباء إلى الناصرية بمعدل النصف خلال الأسابيع الثلاثة الأخيرة بعد توقف اثنين من المولدات الأربعة التي تُغذي رابع أكبر مدينة عراقية بالكهرباء، وإذا استمر الوضع على ما هو عليه وتراجع منسوب النهر 20 سم أخرى فسيتوقف الاثنان الباقيان وتغرق المنطقة في الظلام.
ولم يعد الفرات، الذي كانت تحوطه الخضرة على طول مجراه في العراق، سوى جدول صغير تنساب في نهايته كميات ضئيلة من المياه أغلبها طمي وتكاد تكون راكدة قرب مصبه في شط العرب الذي يربطه بالخليج العربي.
والفرات (2700 كم) ينبع من الأناضول بتركيا، ويمر على سوريا، ثم يكمل مسيرته في العراق حتى يتحد مع نهر دجلة جنوبا في مجرى واحد هو شط العرب الذي يكمل المسيرة جنوبا إلى المصب وهو الخليج العربي. ويطلق على العراق بلاد الرافدين لوجود نهري دجلة والفرات فيها، وهما من أعذب وأطول أنهار العالم.
أسباب
وأرجع تقرير "ذا جارديان" الأزمة إلى عدة أسباب منها انشغال الحكومات العراقية المتعاقبة منذ الغزو الأمريكي للعراق 2003 في متابعة الاضطرابات وموجات العنف التي تضرب البلاد منذ ذلك التاريخ، وأهملت في خضم ذلك التفكير في تأمين احتياجات المواطنين من المياه.
كما ساهم في زيادة حدة الأمر بناء تركيا للسدود المتعددة على منبع النهر ما يحرم بلد المصب من المياه، وكلما ازداد بناء السدود ازداد الأمر سوءًا بالنسبة للعراق، علاوة على قطع إيران لبعض الروافد التي تغذي نهر دجلة.
وتقول الصحيفة إن المسئولين العراقيين يزورون تركيا وسوريا لمناقشة الموضوع فيلقون ترحيبًا حارًا لكن دون أي نتيجة تُعيد لفرات العراق جزءا من مياهه المفقودة.
وفي وقت سابق اختصرت صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية الوضع الذي آل إليه الوضع المائي في العراق بأنه "يذكرنا بعلامات يوم القيامة كما وردت في الكتب المقدسة ونبوءات العرافين! فزراعة الأرز توقفت، والعواصف الترابية باتت تضرب مدن العراق وأريافه يوميا تقريبا، والأسماك انقرضت، والأهوار والمسطحات المائية الجنوبية تحولت إلى برارٍ موحشة، بعدما كانت لسنوات قليلة خلت واحدة من أكبر المحميات الطبيعية على وجه الكوكب وأجملها".
أيام صدام
وتنقل صحيفة "ذا جارديان" عن محافظ الناصرية قصي العبادي قوله عن المعاناة "حتى في أيام صدام حسين لم نواجه مستقبلا بهذا السوء"، مشيرًا إلى أن ذلك الأمر لم يكن ليُسمح بحدوثه قبل 10 سنوات.
كما يصف التقرير كيف جفت الأهوار، وكيف بدأ تهجير مئات الآلاف من حول شط العرب بعدما فقدوا المياه مصدر الحياة لهم ولأنعامهم وأرضهم؛ فالأرض لم تعد تصلح للزراعة والحيوانات تموت من شرب المياه الراكدة، والتي زادت نسبة الملوحة بها نتيجة انخفاض منسوب النهر في شط العرب.
وفي مدينة البصرة قالت الصحيفة إن الآلاف بدءوا حالة نزوح قوية، ونقلت الأسباب على لسان سيدة من قرية الفال بالمدينة قالت: "لقد صار من المستحيل أن نعيش هنا، فالمياه لم تعد صالحة للشرب.. تموت الحيوانات والعديد من الناس أصابتهم الأمراض".
ومن جانبه، أشار مدير التخطيط في وزارة الزراعة صلاح عزيز، إلى بعض آثار هذا النقص الحاد في المياه قائلا: "كنا نزرع القمح والأرز والشعير وتقريبًا كل أراضينا كانت تُزرع، لكن هذا العام فقط 50% من الأرض مزروع ولن نتمكن من تغطية 40% من متطلبات الفاكهة والخضراوات".
ودفع هذا الشح وزير الموارد الدكتور عبد اللطيف رشيد إلى أن يناشد سوريا هذا الأسبوع أن تطلق جزءا من احتياطيها من الماء المخزون في سدودها لدفع منسوب نهر الفرات والتغلب على الجفاف وسد النقص في مياه الشرب والزراعة، الذي بات يهدد الموسم الزراعي، واصفا الوضع المائي في البلاد بأنه "كارثة حقيقية".
واتفق رشيد مع وزير الري السوري ووزير الطاقة التركي على عقد اجتماع وزاري في أنقرة في الثالث من سبتمبر المقبل لبحث سوء الوضع المائي الحالي وخاصة في نهر الفرات، وتذبذب الإطلاقات المائية الواردة من تركيا وسوريا خلال الموسم الحالي.